recent
أخبار اليوم

الوهم الالكترونيالنصب والنقد السيبراني_جريدة اللواء العربي







د. حسام عطا
في تأمل متواتر لوسائل التواصل الاجتماعي واستخدامها في مصر، وفي عودة مرة أخرى إلى مسألة (النقد السيبراني) وهو نقد ينصب على إنتاجات الشبكة الدولية للمعلومات، يمكننا بوضوح تأمل ظاهرة جديدة في مصر الآن، وهى استخدام المشاهدات المليونية لتحقيق أرباح كبرى.
كان الكاتب الصحفي الكبير د. نبيل عبد الفتاح قد نشر على صفحته على الفيسبوك نموذجاً ساخراً لواحدة من الفيديوهات قبيحة المحتوى والشكل، بعنوان ساذج، مشيراً إلى عدد المشاهدات الذي يتجاوز أربعة عشر مليون مشاهدة.
مما دفعني للسؤال حول هذا العالم الجديد، وهل هي مشاهدات حقيقية تعبر عن اهتمامات الجمهور العام؟ طرحت السؤال على مجموعة متنوعة من الشباب.
وحصلت على إجابات مدهشة، منها وجود تطبيق جديد، يتمكن أحدهم باستخدامه بأن يكون مجموعة وهمية من الحسابات الإليكترونية، ثم يتعهد موظف براتب شهري يصنع المشاهدات اللانهائية يومياً بشكل مفتعل، وأيضاً مجموعة من المشتركين في قناة اليوتيوب المزعومة يتم اشتراكهم عبر البيع والشراء، أو صناعة مشتركين افتراضيين إذ يملك الشخص الواحد عدداً كبيراً من الحسابات الإليكترونية التي لا تعبر عن شخص طبيعي، ولا تعود لأشخاص واقعيين. 
بعض من المحترفين في مجال وسائل التواصل الاجتماعي يستطيعون التواصل مع جهات الإعلانات لجلب إعلانات على تلك المواد المسموعة المرئية، وتلك الإعلانات تحقق أيضاً أرباحاً بمجرد فتحها فقط، وليس حتى مشاهدتها.
المعروف لدى صناع المحتوى على قنوات اليوتيوب، أي ما كان نوع هذا المحتوى أن المشاهدات المليونية تحقق أرباحاً كبيرة، إذ تدفع الشركة المختصة (يوتيوب) مبلغ ألفي دولار بمجرد تجاوز المشاهدات المليون الأول، ووجود مائة ألف مشترك في القناة القائمة على اليوتيوب.
 بالإضافة إلى أرباح الإعلانات. مما يدفع الكثير من الناس، بل وبعض من المختصين بالتفرغ لهذه المهمة. 
بحيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من مسارات المهن الجديدة بلا ضوابط ولا معايير ولا مستقبل محدد.
جدير بالذكر أن هذا الأمر لا يقبل التعميم، إذ أن هناك إنتاجات جادة جداً، ومنها إبداعات محترفة تقترب من الإنتاج الكبير الثري والبعض أسس تطبيقات خاصة به كمنصات شهيرة تعرف ماذا تقدم وتتحمل تبعاته الثقافية والإبداعية والأخلاقية والسياسية، وهي منصات وتطبيقات كبرى يجب أن يعطيها النقد السيبراني اهتماماً في ملاحظة أعمالها على صعيد الشكل والمضمون.
أما ما ألاحظه بوضوح من رصد فهو وللوهلة الأولى الانتشار الكبير للمحتويات السهلة الخشنة وبعضها يدخل في دوائر المساءلة الاجتماعية.
وقد أدت تلك الظواهر الجديدة إلى تأثير وتغيير في مفهوم الإعلام المسموع المرئي.
إذ تحول معظم الإعلام المسموع المرئي نحو اليوتيوب ليعيد نشر وإطلاق برامجه التي تم بثها فضائياً، بل ويعتمد في ذلك على حفظها وإعادة مشاهدتها مرات عديدة.
هذا بالإضافة إلى التنويه عنها أو الترويج للحلقات القادمة، حتى أضحت الفضائيات التي لا تملك مواقعاً على وسائل التواصل الاجتماعي أقل تأثيراً، بل إن الشبكات الكبرى الإعلامية تضع على روافدها الإليكترونية نوعاً من التفاصيل التي لا يسمح بها البث الرقمي على الهواء مباشرة.
مما جعل ذلك النشر الإليكتروني استعادة لعالم الثقافة الشفاهية بشكل واضح وساهم في تخفيض معدلات القراءة لدى الجمهور العام.
كما أمكن ملاحظة سيولة المعلومات إذ اختلطت الشبكات الكبرى بشبكات صغرى، ودخل على أهل الاختصاص في كل الاختصاصات من يزاحم ويشارك في حالة السيولة المفرطة لهذا النشر العام.
ولتلك الإتاحة الكبرى عبر التكنولوجيا حدث هذا الازدحام الكبير الذي نراه، مما فتح شهية كسب المال للمغامرين، فحاول النصابون الجدد العمل على صنع مشاهدات مصطنعة، مما يدعونا لتأمل الأمر والنظر فيه في إطار النصب الإليكتروني، حتى وإن لم يتعرض أفراد بعينهم لهذا الاحتيال لأن أغلب تلك المحتويات بالأساس تحتاج إلى المراجعة.
كما أن الإرتكان لهذا الإطار المفتوح الحر تماماً بدعوى الحرية هو أمر غير دقيق بالمرة، إذ أن بعض الموضوعات عندما يتم طرحها على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى الفضاء الإليكتروني المربح يوتيوب تتعرض للحذف من إدارة المواقع بدعوى أنها تدعو للكراهية أو التمييز، بينما تنتشر من وجهة نظر مجموعات ثقافية أخرى الكثير من العناصر التي لا يمكن التخلص من ظهورها أمامك بشكل متكرر إلا بصعوبة بالغة.
ولهذا فتلك الوسائل الإليكترونية، وهذا الفضاء السيبراني يستحق التأمل والنقد والتحذير والفهم، فقد ساهم على سبيل المثال في تغيير مفهوم النجومية وقادة الرأي.
مما جعل الرأي العام أكثر سيولة، وفهمه وخطابه يحتاج إلى محتوى وصناع محتوى جدد أكثر حيوية.
هذا الفضاء الافتراضي الكبير يشبه إلى حد كبير الحياة الواقعية الكبيرة، ولذلك فهو يحتوي على الكثير من الأشياء النافعة والضارة معاً، إلا أن كثرة المشاهدات ونسب المتابعة الكبيرة نادراً ما تصادف المواد الجيدة، فهي سواء كانت حقيقية أم مصنوعة عبر المتابعات المزيفة فهي تحتوي على صفات السهولة والقصر والاختزال وغياب المصداقية، وفي كثير من الأحيان القبح والطابع الفضائحي، فهل نحذر هذا العالم المسموع المرئي واسع الانتشار، ونفرد لتأمله ونقده الجاد مساحات من النقد السيبراني، وهو أحد الطرق النقدية المعاصرة التي نحتاجها بشدة في ظل هذا التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي، وقدرتها شديدة الإغراء لكل مغامر كي تصبح وسيلة من وسائل كسب الشهرة والمال.
وهي الإتاحة التي يجب أن يتفاعل معها المثقفون والمبدعون الجادون أيضاً، لأنه عالم يحمل الفرص الذهبية الكبرى.

google-playkhamsatmostaqltradent