recent
أخبار اليوم

النقاد ومهنة النقد... ملاحظات الضرورة الآن_ جريدة اللواء العربي


د. حسام عطا  
في النقد، وفي مدحه وفي ضرورته يمكن أن نكتب الكثير، في النقد وللنقد فقط منافع للإبداع وللفنون والثقافة والبشر في مصر.
وهناك بلا شك علاقة صلة بين ازدهار الفنون وازدهار النقد.
إنه الناقد ذلك الشخص الذي يصفه الناقد الأمريكي الشهير إريك بنتلي بأنه غير مفهوم بالنسبة للجيران إذا ما حاول أن يشرح طبيعة عمله.
وحقيقة الأمر أنه يندر في مصر والعالم العربي ذلك الشخص الذي عاش ليمارس مهنة النقد فقط، فبالضرورة هو صحفي ممارس أو أستاذ جامعي، أو عامل في مجال النشر أو صناعة الإعلام.
إنها مهنة شديدة الصعوبة إذن. 
وفي ظل سيولة واضحة وانتشار واضح لحالات الكتابة عن الفنون أمكن ملاحظة تراجع مهنة الناقد المتخصص، مما دفع جريدة مسرحنا لإطلاق سؤال عام في عددها الأخير: هل يحتاج النقد والنقاد إلى نقابة تجمعهم؟ 
بدا السؤال الذي طرحة الناقد الأستاذ الدكتور عصام الدين حسن أبو العلا سؤالاً يطرحه صاحبه على استحياء، إلا أن التعليقات والجدل الذي أثاره سؤال الصحفية الفنية رنا رفعت وإجابات العديد من النقاد المتخصصين، وتداول الحوار والجدل على صفحات التواصل الاجتماعي حول مهنة النقد والنقاد، مما أدى لتجدد الدعوة إلى إمكانية إنشاء نقابة تجمع نقاد الأدب والفنون المتعددة. 
هذا وقد ظهر عدد من الأشخاص الذين يروجون لفكرة الدعاية والتسويق الإعلامي لأفراد لأعمال فنية تحت مسمى غامض هو المستشار الإعلامي، وقد كان هذا النوع من الأعمال ينتمي للعلاقات العامة وهى أحد مجالات الإعلام التقليدية مضاف إليها مهارات الدعاية.
إلا أن تلك الأصوات قد علت على صوت النقد الفني، واختلط الحابل بالنابل.
النقد في مجاله العام ينقسم إلى نقد نظري وفيه تدخل نظريات النقد في كل الأنواع الأدبية والفنية، وهى علوم نظرية معظمها طرق تفكير ومناهج لتأمل الإبداع والمجتمع.
أما القسم الثاني فهو النقد التطبيقي وهو ذلك النوع النقدي الذي يحلل الأعمال الإبداعية ويرصد الظواهر الثقافية والفنية المتعددة، ليعيد قراءة الإبداع والظروف الموضوعية المصاحبة له.
وهو النوع الأكثر انتشاراً في الأنواع النقدية المعروفة، ومنه نوع خاص يكتب للمجلات المتخصصة وهو يستهدف القارئ المتخصص أو أصحاب التعليم والثقافة النوعية رفيعة المستوى. أما النوع الأكثر انتشاراً فهو ما يكتب في الصحف والمجلات العامة، وهو موجه للجمهور العام، وعلى الناقد المتخصص استخدام الأدوات واللغة التي تحافظ على المصطلح النقدي ومفاهيمه، ويمكن فهمها لكافة القراء، إذ يحتوي مقاله النقدي على أكثر من مستوى من مستويات التلقي.
ومع ندرة معدلات القراءة، وتراجع مبيعات الصحف والمجلات المطبوعة وانتقال الصحافة إلى مفهوم الصحافة الإليكترونية والمواقع المتعددة أصبح المقال النقدي أمراً شديد الصعوبة وأصبحت مهنة الناقد مهنة شاقة جداً. 
صحيح إذا كان كل يوم لديك ما تكتبه أو تقرأه أو تشاهده أو تحاضر فيه، فأنت حي موجود ممارس للمهنة. 
ولكن بقيت تلك المهنة متاحة لعدد من القادمين من خارجها بلا دراسة أو استعداد أو فهم لطبيعتها.
قيمة النقد إذن هو انه يقدر على التأثير في الجمهور، أي أنه يمثل سلطة ثقافية تؤثر في الفن والفنانين، ودرجة الاستجابة لتقدير الأعمال الفنية ولذلك بقى النقد والنقاد مؤثرين ومحل احترام وتقدير الجمهور ودوائر الإنتاج الثقافي والإبداعي لسنوات طويلة.
إلى أن حدث ذلك الغزو من كل الاتجاهات فأصبح من يتحدث عن انطباعاته على وسائل التواصل الاجتماعي ناقداً وأصبح المروج الدعائي للنجوم ناقداً.
وفي ظل تراجع العوائد المادية لمهنة النقد على صعوبتها، بات معظم النقاد الحقيقيين يمارسونها كنوع من ممارسة الخدمة الاجتماعية، وكدور ثقافي ضروري بالاستناد إلى أعمالهم الأساسية كمصدر للدخل.
هذا وقد علمتنا تجارب الحياة أن المهن التي لا تدر دخلاً مناسباً في طريقها للانهيار، فما بالك إذا امتنعت تلك المهنة تقريباً عن تقديم أي دخل حقيقي للناقد الممارس.
وهكذا أصبح الناقد المتفرغ المهني المنقطع فقط لهذه المهنة في وضع شديد الصعوبة.
البعض يطوف على المهرجانات ليعمل في إصداراتها والبعض يمارس دور المحكم في عدد من لجان التحكيم، والبعض يصدح بالصوت النقدي في اللقاءات التليفزيونية والندوات، والبعض يطارد الجوائز المخصصة على ندرتها في تلك المجالات، والتي تمنحها مؤسسات في معظمها تدور في دائرة عمله النقدي، وعليه أن يتحلى بالموضوعية عند تناول أعمالها.
يبقى الناقد هو ذلك المثقف المستنير المختص الذي يضيئ الحياة الفنية والثقافية، ويبقى ازدهار النقد مرهوناً بالإزدهار العام للفنون الجميلة القائمة على المعنى والمبنى الفني.
ويبقى للنقاد وللمؤسسات المسئولة عن الإبداع والأدب ضرورة البحث عن الوسائل لتطوير تلك المهنة وجعلها مستمرة، في ظل تغير مفهوم الصحافة والإعلام في عصر الرقمنة وسيطرة وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى اتحاد الكتاب والنقابات الفنية المتعددة ومؤسسات الثقافة والإعلام الرسمية والخاصة إدراك أهمية مهنة النقد ومنحها مسارات مهنية منضبطة، وفهمها في إطار فهم مؤسسات صناعة الوعي وتثقيف وتنوير الرأي العام، إذ ان النقد ضرورة للحياة الفنية والإبداعية والأدبية الحية والمؤثرة في صناعة القيم والوجدان، وهى مهنة شديدة الخصوصية تحتاج أول ما تحتاج إلى ثقافة موسوعية ونزاهة فكرية وضمير يقظ وأدوات اختصاصية. 
فهل تلك الدعوة الحية التي صدرت على استحياء هي صرخة ألم خفيضة الصوت يحيط بها كبرياء المعرفة.
بالتأكيد نعم، فكم نحتاج للنقد وللنقاد ولمناهج النقد والتي هي أحد أهم مناهج التفكير المعاصر، وشرط حيوية الإبداع والأدب والفن.
حقاً يحتاج النقد الفني والأدبي والثقافي في مصر إلى إعادة إنتاج مساراته التقليدية وفتح مسارات مهنية جديدة.

google-playkhamsatmostaqltradent