يقسم علماء القانون الحقوق إلى حقوق عينية وحقوق شخصية، ويقصد بالحقوق العينية تلك الحقوق التي تعطي لشخص معين سلطة مباشرة على شيء، وتوجد صلة مباشرة بين صاحب الحق والشيء، ويباشر حقه دون حاجة إلى أي تدخل من شخص آخر، ومثال ذلك حق الملكية، حيث يكون للمالك سلطة مباشرة على الشيء الذي يملكه، دون حاجة إلى تدخل من شخص آخر، ويكون للمالك سلطات الاستعمال، والاستغلال، والتصرف، وأما الحقوق الشخصية، فهي عبارة عن رابطة بين شخصين أحدهما دائن والآخر مدين، ويلتزم هذا المدين تجاه الدائن بأداء عمل أو الامتناع عن أداء عمل أو الالتزام بإعطاء، أي أن يكون للمدين دور إيجابي، كإنشاء حق عيني أو نقله، كنقل ملكية شيء معين من ذمته إلى ذمة الدائن.
ولكن يأتي نوع ثالث مهم للحقوق يسمى بالحقوق الذهنية، أي تلك الحقوق التي تتعلق بإبداع الشخص، وإسهاماته الفكرية، ولذلك تسمى بحقوق الملكية الفكرية، التي يتم الاعتراف بها للأشخاص على نتاجهم الذهني والفكري، بشروط، وضوابط معينة، وتنقسم الملكية الفكرية إلى قسمين: الملكية الصناعية، والملكية الأدبية والفنية، ويقصد بحقوق الملكية الصناعية هي الحقوق المعترف بها لصاحب براءة الاختراع، ولمالك العلامة التجارية، والرسوم والنماذج الصناعية، أما حقوق الملكية الأدبية والفنية فيقصد بها تلك الحقوق التي يتمتع بها المؤلف، وأصحاب الحقوق المجاورة، كفناني الأداء، ومنتجي التسجيلات الصوتية، وهيئات الإذاعة.
ولن أخوض هنا في جدال فقهي، أو قضائي، حول أنواع الحقوق سالفة البيان، ولكنني أتناول أهمية الإبداع في مجال حقوق الملكية الفكرية، وتحديدا في مجال حقوق المؤلف، حيث يتمتع هذا الأخير بمجموعة من الحقوق الأدبية والمالية على مصنفه الفكري، إذا توافر في هذا المصنف شروط شكلية وموضوعية، أي خروج الفكرة من عالم المجرد إلى الواقع، وأن يكون هناك ابتكار وإبداع، أي وجود بصمة شخصية للمؤلف في المصنف تعبر عن شخصيته الفكرية.
وجدير بالذكر أن معنى الابتكار في مجال حق المؤلف يختلف عن معناه في مجال براءة الاختراع، فإذا كان المخترع يجب عليه أن يكتشف شيئا جديدا لم يكن موجودا من قبل، فإن المؤلف في مجال الملكية الأدبية والفنية، لا ينبغي أن يكتشف شيئا جديدا، ولكن يجب عليه فقط أن يكون له بصمة شخصية في المصنف الذي ابتكره، وأن تكون شخصيته الفكرية واضحة، وهو ما يبرر لنا أحيانا قدرة بعض الأشخاص على معرفة المؤلف لكتاب معين حتى لو تم إخفاء الاسم، لأن أسلوبه يدل عليه، وشخصيته الفكرية تكون واضحة المعالم في المصنف، مما يجعل إمكانية التعرف على اسمه ليس أمرا صعب المنال!
وقد يعتقد بعض الأشخاص أن الحماية القانونية للحقوق الذهنية أو حقوق الملكية الفكرية تتطلب حتمية إيداع المصنف في الهيئة العامة للكتاب، وإذا كان ذلك الإجراء يعد أمرا مهما، كي يكون للمصنف رقم للإيداع، محليا، ودوليا، إلا أن الحقيقة التي يجب توضيحها، تكمن في أن الإيداع ليس شرطا لإقرار الحماية القانونية للمصنف الفكري بنصوص حق المؤلف، حيث لم يشترط قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري رقم ٨٢ لسنة ٢٠٠٢م وجوب الإيداع لحماية حقوق المؤلف، فإذا لم يقم المؤلف بإيداع مصنفه، وتم الاعتداء على حقوقه الفكرية، أو نشب نزاع بينه وبين آخر حول الحقوق الذهنية، فإنه يمكن في هذه الحالة لأي طرف أن يثبت ملكيته الفكرية للمصنف بجميع طرق الإثبات، ويمكنه أن يثبت أن مصنفه قد تم عرضه من قبل في أي محفل علمي أو ثقافي، أو غير ذلك
وفي حالة وجود شخص قد قام بإيداع مصنف، ليس من إبداعه، أو من ابتكاره، فإنه يمكن للمؤلف الحقيقي أن يتمسك بحقوقه الفكرية على هذا المصنف رغم عدم إيداعه باسمه، ويمكن أيضا لهذا المؤلف أن يثبت أن المصنف الذي تم إيداعه يجب أن يكون منسوبا له، وليس لغيره، لأنه قد قام بتأليف هذا المصنف، وشخصيته الفكرية تهيمن على كل أجزائه، كما أنه قد قام بشرح المصنف قبل تاريخ إيداعه في إحدى المؤسسات التعليمية، أو النقابية، أو غير ذلك من المؤسسات، وإذا استطاع المؤلف إثبات ذلك، وأنه من قام بإبداع المصنف، فلا قيمة حينئذ لعملية الإيداع التي تمت باسم شخص آخر، لأن العبرة في إقرار الحماية القانونية للمصنف بالإبداع وليس الإيداع.
أستاذالقانون ونائب رئيس جامعةأسيوط السابق