د. حسام عطا
في إطار تحضيرات المهرجان القومي للمسرح، حدث أن ظهرت على السطح بوضوح مشكلات مسرحية قديمة وتاريخية.
ففي الدورة الخامسة عشر من عمر المهرجان القومي للمسرح والتي ستنتهي في 8/8/2022.
تأثر الناقد والكاتب الصحفي والشاعر يسري حسان بعدم دخول عرضه "خلطة شبرا" للمهرجان في سياق عروض البيت الفني للمسرح، فعبر عن غضبه، فبدأت تتضح المشكلة الأكبر في رد السيد المخرج إسماعيل مختار رئيس البيت ومدير المهرجان في فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يتهم فيه الشاعر يسري حسان بالابتزاز عبر استخدام المنابر الإعلامية، ثم لاحظ الناقد ناصر العزبي في منشور له على شبكات التواصل الاجتماعي إعادة تدوير الوجوه والأشخاص والتي هي مجموعة محددة تتكرر فيها لعبة تبادل الكراسي الموسيقية في الداخل والخارج، وفي معظم المهرجانات المسرحية المصرية والعربية.
وحقيقة الأمر أن الناقد الممارس لمهنة النقد المسرحي بدورها الحقيقي كثيراً ما يعتبره المدراء في المؤسسة الثقافية هو ممارس للابتزاز، وهو شخص يجب استبعاده، كما قامت المؤسسة الرسمية بتحديد أسماء النقاد الداعمين لها، بصفتهم فقط نقاد المؤسسة الذين يكتبون دعماً للعروض والسياسات الثقافية.
ونظراً لاشتباك الأوراق في العمل المسرحي وفقاً لمفهوم رجل المسرح حيث يمارس رجل المسرح أحياناً الكتابة والإبداع والتدريس والإبداع والتدريس والنقد والإخراج معا، فتهمة الابتزاز تبدو ممكنة وسهلة.
حقيقة الأمر أن المعركة دارت بين شاعر وصحفي عمل لدى المؤسسة الثقافية الرسمية سنوات طويلة وهو يقدم عرضه الأول فيها بعد كل تلك السنوات، وبين رئيس البيت الفني للمسرح المخرج إسماعيل مختار الذي يترأس البيت الفني للمسرح منذ 2016 حتى الآن، وهي فترة لم يتح لكرم مطاوع أو سعد أردش أو يحيى حقي عندما كانت تسمى مصلحة الفنون، أن يبقى فيها أحدهم مديراً فنياً طوال هذه المدة.
إنه المهرجان إذاً، وهو يكرم نجوم المسرح، ولكن جدير بالذكر أنهم وخلال السنوات الماضية لم يقدم السادة الفنانين البارزين والذين تم تكريمهم عروضاً واضحة إلا على سبيل الاستثناء.
كان البديل هو الشباب الباحث عن الفرصة، ولذلك فالشباب يقدم العرق والدموع والجهد والوقت والمال في تجاربه التي لا تتكرر مرة أخرى إلا بصعوبة بالغة.
هذه ليست مشكلة السيد إسماعيل مختار، لأنه والسيد المخرج عادل عبده في قطاع الفنون الشعبية، وهو البيت الثاني للإنتاج المسرحي التابع لقطاع الإنتاج الثقافي ليس لديهما صلاحيات الاعتماد المالي والإداري لإنتاج العروض التي هي فقط لرئيس قطاع الإنتاج الثقافي خالد جلال.
وبالتالي فهما في موقعي وكيلا وزارة الثقافة بلا صلاحيات حقيقية، وهم ومدراء الفرق يرفعون مقترحات ولا يملك القرار النهائي إلا المخرج خالد جلال والذي أسماه السيد إسماعيل مختار السلطة المختصة. والذي يجب أن يوافق على نشر تقرير اللجنة التي شكك فيها الشاعر يسري حسان، المتهم من مختار بالابتزاز الإعلامي.
حقيقة الأمر أن حال الإنتاج في مسارح الدولة يحتاج لخطط حقيقية تزاوج بين كل الأجيال وتسمح بالمسار الاحترافي للمهنيين بجوار الشباب.
دعني أحدثك عن المخرج الكبير أحمد إسماعيل المكرم وهو شقيق الممثل نصف المعروف والذي يؤدي أدواراً مساعدة في الدراما التليفزيونية يوسف إسماعيل الذي لعب دور والد بطل الحارة الشعبية البلطجي الذي أداه عمرو سعد في دراما (توبة) التي عرضت في رمضان الماضي والمستمرة في نماذج الإساءة للحارة الشعبية المصرية.
ها أنا أذكركم بيوسف إسماعيل الممثل، وهو من أبناء الثقافة الجماهيرية الذين ذهبوا إلى هيئة المسرح في منتصف المسار المهني، وهو رئيس المهرجان القومي للمسرح.
المخرج أحمد إسماعيل المبدع المستحق للتكريم لا يعمل منذ سنوات.
والمخرج المكرم مراد منير، خرج من تدريبات مسرحية له بقطاع الفنون الشعبية بجلطة في الساق ثم شافاه الله وعافاه.
والتكريم الحقيقي لهما هو إتاحة فرص الإبداع والعمل.
أما ناصر عبد المنعم مخرج العروض المتصلة في قاعات البيت الفني للمسرح، فهو مستمر في التعاطي مع شباب الفرص الأولى بكل يسر وسهولة.
أما المخرج عصام السيد فهو مكرم مستحق، ولكن لا مانع مع التكريم أن يسند له المهرجان عرض الافتتاح حتى تكتمل الترضيات، ضد المبتزين والممنوعين من العمل من أجيال عديدة، لأنهم يصرحون للإعلام بما يجب أن يكون.
الصورة عبثية جدا جدا، والمؤسسة الثقافية حريصة جدا جدا على المهرجانات والتقاط الصور وحريصة أيضاً على الابتسامات والضحكات، بينما المسار المهني المسرحي قد بات مغلقاً كممارسة احترافية.
هؤلاء وعلى رأسهم الفاعل الرئيسي المخرج خالد جلال، الذي يدير بجانب قطاع الإنتاج الثقافي مراكز الإبداع على مستوى الجمهورية وهي نادراً ما تعمل، لأنها تعيش في الظل بجوار المركز الأول في القاهرة في دار الأوبرا، والذي يديره ويعمل به خالد جلال بمفرده لمدة تقترب من ربع قرن من الزمان، وهي حالة مؤسسية نادرة لم تحدث في مؤسسة رسمية في أي وزارة من وزارات مصر الأخرى.
أما عن رجل الظل المفكر المسرحي صاحب فكرة المهرجان، وهو المؤلف الكبير محمد أبو العلا السلاموني، والذي ضاع صوته في الضجيج، فقد عاصرته في لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة عندما كنت عضواً بها إلى جواره، وهو يحاول بمذكرات ومقترحات دائمة لوضع مسابقة سنوية للمسرح المصري كان يستهدفها للدعم والرعاية والمتابعة، وليس لمزيد من المهرجانات.
كان الأستاذ السلاموني يطالب بتشكيل لجنة من كبار المختصين لمشاهدة كل ما يقدمه المسرح المصري المحترف المؤسسي الرسمي، والخاص والمستقل في قسم، ومسرح الهواة في قسم ثالث بشكل دوري طوال العام.
وتكون مهمة اللجنة رفع تقرير حالة عن الإنتاج المسرحي واختيار أفضل العروض لمنحها الجوائز مسبقاً، كي يصبح تقديمها مرة أخرى هو الجائزة لتلك العروض، التي كان من المقترح منحها موسما مسرحيا ممتازا، وليس مهرجانا للتسابق المسرحي.
محمد صبحي المكرم المصري المبدع الجميل، الفنانة الراحلة أمينة رزق، هما أيقونتان مختلفتان والمخرج الراحل الكبير عبدالرحيم الزرقاني أيضاً، تكريم هؤلاء هو تكريم اكتمال المشروع الإبداعي، أطال الله في عمر الفنان محمد صبحي، الإبداعي المسرحي وفتح أبواب الخير لمكرمين يجب تكريمهم بأن يرى الناس إبداعهم، مثل المخرج الكبير مراد منير، وأيضاً المخرج الكبير أحمد إسماعيل، وغيرهم من أجيال متقاربة، أفنت أعمارها في المسرح المصري وراكمت خبرة وإبداعا وحضورا واعترافا، لا يمكن لأصحاب التجارب الواحدة، وصناع الضجيج، وممثلي الأدوار الثانوية أن ينجحوا في محاولاتهم المستمرة للإقصاء المتعمد ضد هؤلاء.
ثم يحدثونك عن ضرورة دعم تلك القيادات التي أخذت كل الفرص من أجل زيادة مخصصات المسرح في الموازنة العامة للدولة؟!
لماذا لم يفعلوا ذلك منذ سنوات؟ هل يتذكرونها الآن، بعد تحول المسرح المصري إلى مسار مهني يحتاج إلى الوارثين من أجدادهم، أو العاطلين بالوراثة، أو من يملكون مصادر للثروة حتى لو كانت ثروة الشباب والبحث عن الفرص الأولى، تلك التي تضيع مع العرق والدموع والألم.
المسرح المصري يحتاج لإعادة تقييم كافة مساراته، وأولها الفصل بين مسار الهواة، ومسار الاحتراف، وإنارة المسارح جميعها، وعودة الدعاية المحترفة لعودة الصلة بالجمهور العام.