بقلم محمود حسن
من المفترض أن يتفق القانون ويتوافق مع العقل والمنطق ،
وحينما بحثت مليا في أمر هذا الأمر المسمى ب" إيصال الأمانة " والمنتشر في المجتمع بشكل واسع وله إستخدامات عدة ، وجدته لا يتفق مع العقل ولا المنطق ،
فقد تسببت تلك القصاصة في حبس أعداد لا حصر لها من الناس ، وباتت هناك قناعة تامة لدى الحاكم أنه سند قوي للحكم بغض النظر عن ملابساته وأسباب تحريره ،
وحينما ننظر للأمر بعقلانية مجردة - عن البديهيات التي أصبحت راسخة ومتوارثة - نجد أنه لا يوجد شيئ أسمه إيصال أمانة من حيث الأصل ،
وعندما نستعرض حالات استخدام هذا المحرر نجدها تنحصر جميعها في معاملات تجارية فقط تخرج تماما عن دائرة الإئتمان أو الأمانة ،
فالمحرر يكتب من حيث الشكل بين ثلاثة أطراف أحدهم المسلم للمبلغ المالي والثاني هو المستلم والثالث هو المراد توصيل المبلغ إليه ودائما ما يكون الطرف الثالث قريب أو تابع للطرف الأول ،
بالله عليكم كيف يقوم إنسان بتسليم مبلغ لشخص لا يثق به !؟ بدليل أخذ توقيعه على الإيصال ،
وما الذي يجبر فاعل الخير أو " الموصلاتي " هذا على التوقيع على إيصال ووضع رقبته تحت تصرف شخص لا يثق به وهو من المفترض أنه يقوم بتقديم خدمة له وتوصيل مبلغ مالي لشخص تابع له ، وكيف يطمئن الموقع على الإيصال أنه سيحصل على هذا الإيصال بعد إتمام مهمته وتسليم المبلغ للطرف الثالث ؟ لا سيما انه لن يستطيع إستعادة الإيصال إلا بعد تمام التسليم ، وساعتها يكون تحت رحمة الطرف الاول الحائز على الإيصال ؟
بالله عليكم ما الذي يجبر فاعل الخير هذا على التعرض لهذا الخطر لمجرد القيام بأداء خدمة لشخص لا يثق به أصلا ؟
أعتقد أن كل هذا لا يخضع لأي منطق ولا يقبله عقل ، ولا يحدث في الواقع وكل هذا مجرد تحايل وتمثيل وإلتفاف على القانون ،
ألا توجد طريقة أخرى لتوصل المال كالحوالة البنكية او البريدية أو الطرق المستحدثة الأخرى ؟
بالتالي أصبح لا شك أن إيصال الأمانة هو محرر لضمان عملية تجارية او ضمان لقرض او سلفة بين طرفين ولا دخل للطرف الثالث اصلا ، وهذا معروف لدى كل الناس ،
إذن أين جريمة خيانة الأمانة هنا ؟؟
ولماذا ترسخ القوانين هذا السلوك ؟ ولماذا تشجع على قيام بعض المستغلين لظروف المحتاجين ؟
ولماذا تحمي القوانين هذا التصرف الذي ينطوي على سوء نية من صاحب المال وتمكنه من القيام بالعمل المصرفي بدون ترخيص فيحل محل البنوك ، لأن معظمها أعمال ومعاملات تجارية ومالية تنطوى على فوائد ربوية تصل الفائدة فيها إلى مائة بالمائة من اصل القرض بلا رقابة ولا ترخيص ولا دفع ضرائب ، وتحت غطاء وحماية القانون ،
أين المنطق في هذا ؟ وأي عقل يقبله ؟
والغريب أنه لا توجد دعوة قضائية محلها إيصال أمانة إلا ويتم الحكم فيها بالحبس بإعتبارها جنحة خيانة أمانة ،
فتتصدع المحابس بصرخات الأبرياء ، وتكتظ السجون بالغارمات والغارمين من الغلابة الذين قضت عليهم الظروف بالتوقيع على عدة إيصالات أمانة نتيجة قرض من مرابي ، او نظير شراء غسالة أو بوتاجاز لتجهيز إبنتهم المقبلة على الزواج ، فيضطر التوقيع على عشرين إيصال تتفوق عقوبتهم على عقوبة القاتل ،
وفي كل هذه الحالات تنتفي صفة الأمانة التي يجرمها القانون ويحكم بالسجن على أساسها ،
يا سادة المعاملات التجارية لها محرراتها التجارية مثل الشيك او الكمبيالة او السند الأذني والعقود وخلافه ، فلماذا هذا الخلط الذي يعطي الفرصة لضعاف النفوس ممارسة أعمال تجارية خارج إطار قانون التجارة بضوابطه وتراخيصه ،
ولا ذنب في هذا على القاضي المقيد بقانون عقيم لا يتوافق مع العقل ولا المنطق ،
ولو أنني أرى أن القاضي هو خليفة الله على الأرض وهو سيد قراره ووجب عليه ألا يحكم إلا بما يرضي الله وتطمئن إليه نفسه ، وبما يتفق مع العقل والمنطق والعدل والرحمة ،
وأأمل أن يلغى هذا المحرر الذي أوجد عدد لا حصر له من المستغلين حملة دفاتر إيصالات الأمانة التي تفتقد تماما لأقل درجات الأمانة .