بقلم أ.د حسام عطا
في اهتمام واضح يعبر عن ازدياد كبير في معدل اهتمام الدولة المصرية بفهم قضايا الإعاقة في الرعاية الصحية والرياضية والثقافية، وفي التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية. تحرز الدولة المصرية تقدماً مستداماً نوعياً في تلك المسألة التي تطلق عليها مصر قضايا أصحاب الهمم.
وقد جاءت احتفالية "قادرون باختلاف" علامة حضارية مصرية خاصة حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي في يوم الأحد الإنساني في الخامس من ديسمبر 2021.
حيث أطل الرئيس السيسي بطاقته العاطفية الإنسانية مؤكداً الحضور الحضاري لوجه مصر المشرق في دعم حقوق أصحاب الهمم، وفي بهجة تكريم أبطال الرياضة من ذوي الإعاقات الذهنية، ودعم الموهوبين من أولي العزم والهمم. ومنحهم الحضور الدافئ احتراماً لإنسانيتهم، وتعبيراً عن المشاركة المصرية الحقيقية للإعلان العالمي لحقوق أصحاب الإعاقة الصادر عن الأمم المتحدة عام 1992، إلا أن الاستجابة المصرية والتي بدأت منذ سنوات مضت تبدو هي الأكثر حضوراً الآن في الاهتمام الواضح بهم، بل والأكثر أناقة في وصفهم بذوي الهمم.
مما جعلني أعود بذاكرتي لدعوة أطلقها شاعر مصري مختلف هو الصديق محمود أحمد حسن وهو إعلامي محترف، وله كتاب صغير نادر عنوانه "أنا أيضاً إنسان" صادر عن دار الأجيال المصرية عام 2014. وفيه يطرح قضية إنسانية نادرة. وهي قضية "الأقزام".
والكتاب يسميهم "قصار الطول"، وفيه يقدم معلومات وبيانات دقيقة عن قصار الطول بعرض الإحصائية العالمية عنهم، وهي آنذاك تحدد عدد قصار الطول على مستوى العالم بعدد يصل إلى 200 ألف قصير، ويذكر محمود حسن أن معظم بلدان العالم تتعامل مع تلك الفئة على أنهم بشر من الدرجة الثالثة ويطلقون عليهم لفظ أقزام، ولذلك عذرا لاستخدام اللفظ الشائع الخاطئ والأكثر تداولاً.
ولم يتم مراعاة ظروفهم في مختلف مطالب الحياة من حيث السكن والصحة العامة والنفسية والاجتماعية والتعليمية، وكذا مساراتهم الاعتيادية في الحياة اليومية مثل وسائل المواصلات والملابس، والنظرة الاجتماعية بصفة عامة.
ويرصد حسن أن الإحصائية الأخيرة آنذاك 2014 تحدد عدد قصار الطول في مصر بما يقرب من سبعين ألف قصير، بينما عددهم في مختلف أنحاء العالم يصل إلى مائتي ألف قصير.
وهذا يعني أن نسبة قصار الطول في مصر تصل إلى 35% من إجمالي قصار الطول في العالم، مما يدفعنا للاهتمام بهم، وإدماجهم كفئة خاصة مع الاهتمام المصري الواضح بمسألة ذوي الهمم.
جدير بالذكر أن الاستخدام السيئ لهم في الأعمال الدرامية والبرامج الترفيهية وبعض أماكن اللهو والسهر مسألة يجب التذكير بضرورة تغييرها في مصر، حيث يجب منع استخدامهم في الأعمال الفنية والإعلامية كوسيلة من وسائل الإضحاك عبر السخرية.
كما يجب النظر لمشاكل قصار القامة ومنع نبذهم وعزلهم عن المشاركة المجتمعية.
فنحن نحلم ونسعى لتحقيق الأحلام ومع مصر المعاصرة والرئيس عبدالفتاح السيسي أصبح للأحلام سحرها الخاص، وهؤلاء بشر مثلنا ربما يكون أكبر أحلامهم أن يتجولوا في الشارع كأي إنسان دون أن يسخر منهم أحد.
ناهيك عن الأحلام الأخرى التي هي بالأساس حقوق إنسانية طبيعية، فهل ننظر بعين الاهتمام لهذه المجموعة المهمشة المعزولة، والتي تفضل الانزواء بعيداً عن السخرية والنظرة المؤذية لاختلافهم الإنساني، وضعف مشاركتهم في التعليم والعمل والحب والزواج والإنجاب والعيش كمواطنين صالحين بشكل طبيعي.
أفكر في لفت النظر لهؤلاء البشر من قصار القامة، لأنهم وبحق يعيشون معاناة حقيقية. ومحمود حسن يحلم حلماً ربما يمكننا تحقيقه، فهو يسعى إلى إقامة مدينة متكاملة لهم أطلق عليها حالما اسم "مدينة الملائكة"، لتضمهم في تجمع تشاركي منتج يقيم لهم مساكن مناسبة على مستوى التصميم المعماري، ومصانع مناسبة ومزارع مناسبة وأماكن ترفيهية وتعليمية وصحية، بالإضافة إلى منحهم ذات الحقوق التي حصل عليها أصحاب الهمم من المصريين.
جدير بالذكر أن المدينة الحلم مدينة الملائكة، يمكن أن تستعيد لقصار القامة المصريين المهن المختلفة التي خصصها لهم قدماء المصريين في الدولة المصرية القديمة، ألا وهي مهن صناعة المجوهرات والحلي وصناعة العطور، وغيرها من الاقتراحات الأخرى التي تحتاج لرأي المختصين من الأطباء وعلماء النفس والاجتماع والتنمية البشرية، لتحويلهم إلى قوة إنتاج مصرية تضيف للدخل القومي المصري مصدراً جديداً، فالإشارة تشير لسبعين ألف يد عاملة نوعية يمكن إطلاقها من جديد.
هذا وتقول الاستاذة الطبيبة د. كاهيرا كوزاما العالمة المختصة في طب الأطفال بجامعة واشنطن، إن الأقزام في مصر القديمة شاركوا في جميع مناحي الحياة، ولم يكن ينظر إليهم على أنهم مختلفين في الشكل الطبيعي عن عموم المصريين. وهذا أمر حقيقي، ذلك أنه في عهد الأسرة المصرية الخامسة في مصر القديمة، تحدثنا الأثار المصرية الباقية للآن عن "سنب" الوزير قصير القامة الهام، وأيضاً قصير القامة مبدع العطور "تشنوم حوتب" العضو البارز في البلاط الملكي للأسرة الخامسة عميقة الإنسانية في فجر التاريخ.
فهل لنا في نظرة استيعابية معاصرة لحضارة وإنسانية مصر القديمة، لضم قصار الطول إلى الحياة الطبيعية. مدينة الملائكة حلم حقيقي فهل يمكن تحقيقه؟
هكذا نحلم وهكذا نتمنى