recent
أخبار اليوم

▪️من مقاصد الحج السامية 1 ‏_ ‏جريدة ‏اللواء ‏العربى ‏

الصفحة الرئيسية

▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

من مقاصد الحج‏: ‏لهذه الفريضة الإسلامية الجليلة حِكَم عديدة منها‏:‏
أولاً: ‏تعريض كل من حَجَّ البيت لكرامة أشرف بقاع الأرض في أشرف أيام السنة‏:‏

فالله تعالى خلق كلاً من المكان والزمان‏،‏ وجعلهما أمرين متواصلين، فلا يوجد مكان بلا زمان‏،‏ ولا زمان بلا مكان‏،‏ وكما فضَّل بعض الرسل على بعض‏،‏ وبعض الأنبياء على بعض‏،‏ وبعض أفراد البشر على بعض، فضَّل سبحانه وتعالى بعض الأزمنة على بعض‏، وبعض الأماكن على بعض‏.‏ فمن تفضيل الأزمنة جعل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع‏،‏ وجعل شهر رمضان أفضل شهور السنة‏،‏ وجعل الليالي العشر الأخيرة من هذا الشهر الفضيل أشرف ليالي السنة‏،‏ وجعل أشرفها على الإطلاق "ليلة القدر" التي هي خيرً من ألف شهر‏. ‏ومن بعد رمضان يأتي فضل أشهر الحج‏،‏ ومن بعدها تأتي بقية الأشهر الحرم. ومن الأيام جعل ربنا تبارك وتعالى أشرفها عشرة الأيام الأولى من شهر ذي الحجة‏،‏ وجعل أشرفها على الإطلاق يوم عرفة‏،‏ وفي ذلك يروى عن جابر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال رسول الله ﷺ:‏ "ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ، فقال رجل‏:‏ هن أفضل‏،‏ أم عدتهن جهادا في سبيل الله؟ قال ﷺ:‏ هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله‏،‏ وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة‏،‏ ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا‏،‏ فيباهي بأهل الأرض أهلَ السماء فيقول‏:‏ انظروا إلى عبادي‏،‏ جاءوني شُعْثاً غُبْرا ضاحين‏.‏ جاءوا من كل فج عميق‏،‏ يرجون رحمتي ولم يروا عذابي‏،‏ فلم يُرَ يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة"، ولذلك كان الوقوف بعرفة هو ركن الحج الأعظم.‏
ومن تفضيل الأماكن‏،‏ فضل ربنا تبارك وتعالى مكة المكرمة وحرمها الشريف على جميع بقاع الأرض‏،‏ ومن بعدها فضَّل مدينة رسول الله ﷺ ومن بعدها فضَّل بيت المقدس، كما جاء في العديد من أحاديث رسول الله ﷺ، فإذا اجتمع فضل المكان وفضل الزمان، تضاعفت البركات والأجور والكرامات إن شاء الله.‏

ومن هنا كان من حكمة فريضة الحج (بالإضافة إلى كونها طاعة للأمر الإلهي) هو تعريض كل مسلم‏‏ بالغ‏‏ عاقل‏‏ حر‏‏ مستطيع‏، ذكراً كان أو أنثى‏،‏ ولو لمرة واحدة في العمر لبركة أشرف بقاع الأرض‏ (الحرم المكي) في بركة أشرف أيام السنة (‏الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة)،‏ ولذلك قال ربنا تبارك و تعالى:‏‏‏ *وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ* (‏آل عمران‏:97)‏.

وقال المصطفى ﷺ:‏ "هذا البيت دعامة الإسلام‏،‏ فمن خرج يؤم هذا البيت من حاج أو معتمر‏،‏ كان مضموناً على الله‏،‏ إن قبضه أن يدخله الجنة‏،‏ وإن ردَّه‏،‏ ردَّه بأجر وغنيمة" (الأزرقي والطبراني).
و‏‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال رسول الله ﷺ‏: ‏"العمرة إلى العمرة كفَّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (البخاري ومسلم).
 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال‏:‏ قال رسول الله ﷺ:‏ "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب‏‏ كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة‏،‏ وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة" (الترمذي والنسائي).

ثانياً: ‏تذكير الحاج بمرحلية الحياة‏،‏ وبحتمية الرجوع إلى الله تعالى‏:‏

على الرغم من حقيقة الموت الذي كتبه الله تعالى على جميع خلقه، والذي يشهده أو يسمع به كل حي في كل لحظة‏،‏ وعلى الرغم من إيماننا (نحن معشر المسلمين) بحتمية البعث والحساب والجزاء، ثم الخلود في الحياة القادمة، إما في الجنة أبداً أو في النار أبداً إلا أن دوامة الحياة ومشاغلها تكاد تنسي الناس هذه الحقائق التي هي من صلب الدين، ويبقى الموت مصيبة ـ كما سماه القرآن الكريم ـ‏ ويبقى الأخطر من مصيبة الموت غفلة الناس عنه‏،‏ وإعراضهم عن ذكره‏،‏ وقلة تفكرهم فيه‏،‏ وانصرافهم عن العمل له‏،‏ وانشغالهم بالدنيا حتى أنستهم إياه أو كادت، وهنا تأتي شعيرة الحج لتخرج الناس من دوامة الحياة ـ ولو لفترة قصيرة ـ وتذكرهم بحتمية العودة إلى الله تعالى.

ثالثا: تذكير الإنسان بمحاسبة نفسه قبل أن يحاسب وذلك انطلاقا من أعمال إجرائية عديدة قبل القيام برحلة الحج، منها ما يلي‏:‏

‏1‏ـ التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي، وفي ذلك يقول المصطفى ﷺ:‏ "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة‏".‏
‏2‏ـ وصل كل مقطوع من صلات الرحم، لقوله ﷺ‏:‏ "الرحم شجنة من الرحمن من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله" (الترمذي).
‏3‏ـ قضاء الديون ورد المظالم وغير ذلك من حقوق العباد، وفي ذلك يقول المصطفى ﷺ:‏ "من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم‏،‏ من قبل ألا يكون دينار ولا درهم‏،‏ إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته‏، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه‏" (البخاري).
‏4ـ‏ أن تكون النية بالحج خالصة لله تعالى ومتجردة عن كل هوى وسمعة، وفي ذلك يقول خاتم الأنبياء والمرسلين ﷺ:‏ "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏" (البخاري ومسلم).
وقال ﷺ‏:‏ "أخلص دينك يكفك العمل القليل" (رواه الحاكم).
‏5-‏ الحرص على الحلال والهروب من كل حرام وذلك لأن نفقات الحج يجب أن تكون من أحل حلال المال.‏
‏6-‏ الحرص على تسديد زكاة المال قبل الخروج بالحج.‏
‏7-‏ كتابة الوصية وتوضيح كافة الحقوق فيها.‏

وفي إتمام هذه الأعمال تهيئة للنفس تهيئة كاملة لعملية مفارقة الحياة الدنيا، والرجوع إلى الله تعالى والاستعداد لحساب القبر وجزائه‏، ثم للبعث والحشر والعرض الأكبر، وتلقي الحساب والجزاء، ثم الخلود في الحياة الآخرة، إما في الجنة أبداً، أو في النار أبداً.‏

يتبع ..
google-playkhamsatmostaqltradent