recent
أخبار اليوم

الدكتورة سناء الشريف مساعد وزير التعاون الدولي تكتب مصر تثق فيما تفعل | جريدة اللواء العربى



بقلم :الدكتورة سناء الشريف

نشر محمد حسنين هيكل موجز حوار، قال أنه دار بين الزعيم الروسي "ليونيد برجنيف" وزعيم الصين "ماو تسي تونج" وفيه اقترح سكرتير عام الحزب الشيوعي السوفييتي بدء مفاوضات بين البلدين لتصفية ما بينهما من خلافات ومشاكل. ووافقه "ماو" فاقترح "برجنيف" تحديد حد زمني لإنهاء المفاوضات. وسأل عن المدة الزمنية المناسبة. فاقترح "ماو"عشرة آلاف سنة. وتخطي "برجنيف" الموقف بالقول أنه يقصد مفاوضات مكثفة رفيعة المستوي وتحت إشرافهما مباشرة. وعاد يسأل عن المدة المناسبة.  

 

ورد "ماو": في هذه الحالة تكفي 9999 سنة. والرسالة التي أراد "ماو" أن يوجهها، تتلخص في أن دولة عظيمة بقدم وبتاريخ الصين تستطيع أن تنتظر آلاف السنين لتحل مشاكلها، ويكون عدوها قد تلاشي. كما يقول المثل المصري: اصبر علي جار السوء ...." 

والذي يحاول متابعة أداء السياسة الخارجية المصرية عبر التاريخ، سوف يصل لنفس الاستنتاج. فمصر التي خرج ملكها "أحمس" ليطرد "الهكسوس من فلسطين، هي مصر التي خرج منها صلاح الدين الأيوبي لطرد "ريتشارد قلب الأسد" وحملته الصليبية، كما خرج إبراهيم باشا بجيشها ليدافع عن مجالها الإقليمي والحيوي، من الشام إلي المكسيك، ومن جزر اليونان حتى أعالي النيل. 

وقد لا يعلم الكثير أن قرار انفتاح الاقتصاد المصري اتخذته مصر/ جمال عبد الناصر سنة 1968 عندما قرر الرئيس انضمام مصر للاتفاقية العامة للتجارة والتعريفات GATT، التي نشأت سنة 1947، وورثتها لاحقا منظمة التجارة العالمية WTO سنة 1995، وتتيح تيسير التبادل التجاري بين أعضائها (164 دولة) علي أسس ومزايا أهمها مبادئ الشفافية والمساواة في المعاملة، والدولة الأولي بالرعاية. مع الإبقاء علي الرسوم الجمركية لكل دولة، كيفما تريد. ولقد عاتبه الروس وقتها علي الانضمام لمؤسسة رأسمالية يتحكم فيه الغرب. فإذا بالروس ينضمون للجات ووريثتها سنة 2013، أي بعد مصر بنحو 45 سنة. أما أمريكا التي وقفت موقفا معاديا لمصر لاعتراف "ناصر" بالصين الشعبية سنة 1956، وبثورة "فيديل كاسترو" في كوبا، فهي التي أوصلت الصين لتصبح الشريك التجاري الأول لها. وهي التي زار رئيسها "باراك أوباما" كوبا أخيرا ليمد لهـا يد الصداقة.

ومصر/ أنور السادات التي حققت انتصارات أكتوبر التاريخية وتحرير الأرض سنة 1973، وإنجازات غير مسبوقة في دبلوماسية التفاوض والسلام. هي مصر التي تخلي عنها"البعض" من العرب و"البعض" من الأصدقاء، وهي التي استعاد من بعده حسنى مبارك كل شبر من أراضيها بالنفس الطويل وبأدوات أقدم دولة في التاريخ. ونراجع الآن الموقف علي أرض مصر الحرة، وعلي أراض من عارضوها وعادوها، وتسببوا في بقاء أراضيهم محتله وأمنهم مهدد. وأين انتهت "لا دبلوماسية" صدام والأسد وصالح ومعمر، ببلدانهم.  

ويقع بعضنا في مصيدة المقارنة والتفرقة بين الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات، وحسنى مبارك غير منتبهين إلي أن كلاهما كان امتدادا لسياسة ودبلوماسية مصرية واحدة. وإن اختلفت أساليبهما. فالرئيس عبد الناصر هو الذي شن حرب الاستنزاف، وقبل بعدها – وهو في موسكو - مبادرة وزير الخارجية الأمريكية "روجرز" للسلام. عندما أدرك تخاذل الروس عن إمداده بالسلاح. والرئيس السادات هو صاحب قرار الحرب الشجاع رغم تحذيرات الروس المحبطة. وهو أيضا الذي تفاوض سلما لاستعادة أرض مصر، وكمل مبارك وبدأ أكبر عملية للتنمية. 

الصمود وطول النفس 

والآن فمصر/عبد الفتاح السيسي واثقة تماما فيما تفعل وتبني خطواتها وفقا لتاريخ ممتد لآلاف السنين. ولديها من عناصر القوة ومن "طول النفس" ما يبلغها مرادها في كل تحد تواجهه. ومصر تعرف قوتها وقدراتها، لكنها لا تستخدم هذه القوه دون ضوابط. لأن لديها من الوسائل السياسية والدبلوماسية ما يمكنها من تحقيق مصالحها. فإذا استوعبنا الأبعاد الفنية لسد النهضة سندرك أن الحقائق المجردة تصب في صالح مصر. فالهضبة الإثيوبية غارقة في مياه الأمطار ولا تستخدم مياه النيل الأزرق في الري وليس لديها نظام للري من الأصل. كما أن السد مقام في شمال البلاد. والمياه لا تتجه بطبيعة الأرض نحو الجنوب. ومع ذلك تبقي مشكلتان. تتعلق الأولي بسلامة بناء السد نفسه والخشية من انهياره. والثانية هي طول مدة ملء السد بصورة قد تؤثر – وقتيا – عل إمدادات المياه للسودان فمصر. وواضح أننا نعد لهذا الاحتمال عدته دون "ضجيج". ولهذا تحاصر مصر الأمر تفاوضيا ودبلوماسيا علي المستوي الثنائي مع إثيوبيا ودول القارة، وكل الدول والتجمعات المؤثرة. وسياسة طول النفس كفيله بتجنيب مصر الكثير من العناء.

أدارت مصر ملفي ليبيا وغاز شرق المتوسط بهدوء وأقامت تحالفات مع أعضاء في الاتحاد الأوربي وحلف الأطلنطي، بدءا باليونان وقبرص والتوسع باتجاه فرنسا وإيطاليا، وغيرهما. فوقف الاتحاد والحلف في جانبنا. ثم أطلق الرئيس رسالة تحذير واضحة. وحدد "خطا أحمر" غرب مصر لا يسمح لأحد أن يتخطاه. وفهمت الرسالة بوضوح فاستقبلنا نائب وزير خارجية تركيا في زيارة أعلن أن هدفها استعادة العلاقات لوضعها الطبيعي. وبهذا حافظنا علي أحد أهم ملفات الثروة الاقتصادية المصرية. فدوائر السياسة الخارجية تبدأ بمحيط الجوار الليبي السوداني الفلسطيني، وبالوطن العربي، فالبعد الإفريقي، والإسلامي، فالمتوسطي، والعالم النامي، ويشمل القوي العظمي. 

 وأخيرا تصدت مصر/عبد الفتاح السيسي لأقرب وأقدم قضايانا العربية، قضية فلسطين والقدس الشريف أول القبلتين وثاني الحرمين، فسخرت قدراتها علي الاتصال بكفاءة تامة مع كل الأطراف بسرعة فائقة احتوت الموقف وأوقفت القتال حقنا للدماء واتجهت لقلب الموضوع مباشرة بحثا عن حل يصل إلي دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس. واستنطق الموقف المصري النشط الأصوات الناصحة لإسرائيل لتحذيرها من أن حل الدولتين هو الضمان المتاح لأمنها وانكشف موقف رئيس وزرائها المستفيد من القتال الذي يمكنه من البقاء علي الكرسي الذي يوفر له الحصانة من المحاكمة. 

أما مصر فأحد أهم جوانب موقفها هو تاريخها الممتد لآلاف السنين ويجعلها قادرة علي أن تنظر للمنطقة بعد ثلاثين أو خمسين سنة فلا تجـد فيها فرصة لدولة غاشمة تحاول أن تبني نفسها علي العداء في الداخل وعلي تهديد أمنها من كل جيرانها. فأين المصير. وسيظل الزمان في صالح مصر الصابرة وسياسة النفس الطويل القوية والواثقة مما تفعل.

google-playkhamsatmostaqltradent