بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
هل تدعو بسعة الرزق وطيبات الدنيا ؟
لا بأس فقد علِم سيدنا إبراهيم أنها قد تعين على الذكر والشكر فقال :
وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون .
ودعا النبيﷺ بالغِنى واستعاذ من الفقر ، ودعا لخادمه أنس بكثرة المال والأولاد وطول العمر
هل تدعو لوالديك وزوجتك وأولادك؟
لا بأس فالدعاء لهم من صفات عباد الرحمن ومن مظاهر البِرّ .
هل تدعو بمغفرة الذنوب ؟
أحسنت ، فهي التي تُوبق العبد في الآخرة فضلاً عن شؤمها في الدنيا .
لكن مع ما سبق هل يتسع قلبك وينطلق لسانك وتدعو لعموم المسلمين ؟
هل تدرك ضرر الكافرين والظالمين على العباد والبلاد فتدعو عليهم ؟
لقد تأملت في دعاء سيدنا نوح عليه السلام :
رب اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتيَ مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراَ .
فرأيت أن أكثر المسلمين يدورون في أدعيتهم حول الجزء الأول فقط من دعائه ، وهو الدعاء بالمغفرة للنفس والوالدين ، ورأيت القليل منهم يتذكرون عموم المؤمنين أو المسلمين والمسلمات في دعائهم لأن إدراكهم لواجبات الأخوّة الإسلامية العامة وشعورهم بـ(الجسد الواحد) شعور فاتر أو ميت .
ثم رأيت أقل القليل من يلتزم بآخر دعاء سيدنا نوح وهو الدعاء على الظالمين :
ولا تزد الظالمين إلا تباراَ .
أي دمارا وهلاكاَ .
وفي نفس السورة :
رب لا تَذر على الأرض من الكافرين ديّاراَ إنك إن تذرهم يُضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراَ كفارا .
وفيها أيضاً :
ولا تزد الظالمين إلا ضلالًا .
أي ضلالا في أمور دنياهم وفتنة بالأموال والأولاد أو عذاباً كقوله تعالى :
إن المجرمين في ضلال وسُعر .
وإن قلتَ هي غضبة سيدنا نوح من صدود قومه ، فتدبر هذا الدعاء من نبيك ﷺ وانظر آخره :
اللهم ابسُطْ علينا من بركاتِك ورحمتِك وفضلِك ورزقِك ، اللهم إني أسألُك النَّعيمَ المقيمَ الذي لا يحُولُ ولا يزولُ اللهم إني أسألُك النَّعيمَ يومَ العَيْلَةِ أي الشدة والحاجة ؛ والأمنَ يومَ الحربِ ، اللهم عائذًا بك من سوءِ ما أُعطِينا، وشرِّ ما منَعت منا ؛ اللهم حبِّبْ إلينا الإيمانَ وزَيِّنْه في قلوبِنا ، وكَرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ واجعلْنا من الراشدين اللهم توفَّنا مسلمِين ، وأحيِنا مسلمِين وألحِقْنا بالصالحين ، غيرَ خزايا ، ولا مفتونين ، اللهم قاتِلِ الكفرةَ الذين يصدُّون عن سبيلِك ، ويُكذِّبون رُسُلَك ، واجعلْ عليهم رِجزَك وعذابَك قاتِلِ الكفرةَ الذين أُوتوا الكتابَ ، إلهَ الحقِّ .
رواه البخاري في الأدب المفرد .
وما أريد تأكيده هو أن الذي ينكفئ على نفسه وينسى الولاء للمؤمنين والصالحين ، والبراء من الكافرين والظالمين والمفسدين هو مسلم قاصر الفهم أو مُختل السلوك والمشاعر أو غير مدرك لخطورة وجود الظالمين والمفسدين على المجتمعات في إضلال العباد وإفساد البلاد .
والأخطر من ذلك أن يكون موالياَ لهم راضياَ بأفعالهم ، فيكون له نصيب من أوزار كل قرار أو تصرف فيه ضرر للدين والبلاد والعباد .
قال الحسن البصري وسفيان الثوري وغيرهما :
من دعا لظالم بالبقاء فكأنما أحب أن يُعصَى الله عزوجل .
ويقول أبو حامد الغزالي في رسالة أيها الولد :
وفي محبة بقاء الظالم إرادة الظلم على عباد الله وإرادة خراب العالم، فأي شيء أضرّ من هذا بالدين والعافية ؟
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالُها .